يد جندي تحمل الصليب المقدس مع القرآن الكريم مربوطان بعلم سوريا الحبيبة..
هذه هي سوريا، وهؤلاء هم ممثلو العائلة السورية الواحدة بطوائفها الإسلامية والمسيحية
أستهل هذا النص بالحادثة التالية:
بحسب مواكبين لزيارة أنان فإن اللقاء الذي اجراه مع رجال الدين المسلمين والمسيحيين في سوريا، على مدى ساعتين، بتشجيع من الأسد، "كان مهماً جداً"، وخرج منه "متأثراً جداً". وأخذ مفتي سوريا أحمد حسون الكلام بداية، فاستهله مستشهداً بحادثة حصلت معه قبل سنوات، بطلها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي وجرت وقائعها حينما قام غالي بزيارة دمشق وطلب الاجتماع به. وقال حسون: "لقد استقبلته وأخذنا نتداول في شؤون المنطقة وأحوالها، ولكن خلال الحديث بيني وبينه حان موعد الصلاة، فتوجهت إليه قائلاً "إنني أدعوك الى الصلاة معنا".
يضيف المفتي: عندما أنهيت كلامي، لاحظت أن ارتباكاً ظهر على وجه غالي، الذي سارع الى القول مستغرباً: ولكن.. أنا لست مسلماً.. بل أنا قبطي"، فسارعت الى التخفيف من إرباكه وقلت له: طبعاً أنا أعرف أنك قبطي، وأنا من جهتي لا ادعوك الى الإسلام، ألستَ مؤمناً بالله، اجابني بالتأكيد، فقلت له: أنا لست مخطئاً في دعوتك الى الصلاة معنا، ولا لإلزامك بأداء الصلاة الاسلامية، بل دعوتك لأنني أدرك كما انت تدرك، ان الجامع هو بيت الله وأن الكنيسة هي بيت الله، وبالتالي تستطيع ان تؤدي صلاتك في بيت الله بالطريقة التي تشاءها. وبالفعل انتقلنا معاً الى الجامع وأدينا الصلاة وجرى حوار بينه وبين المصلين، وحينما خرجنا توجه اليَّ قائلا: لقد تجاوز عمري الثمانين سنة، وها هي المرة الاولى التي ادخل فيها مسجداً للصلاة، ولم يحصل ان وُجهت لي دعوة مماثلة في بلدي الأم مصر".
وأكمل المفتي حسون قائلا لأنان: هذه هي سوريا، وهؤلاء هم ممثلو العائلة السورية الواحدة بطوائفها الإسلامية والمسيحية، وتستطيع ان تسمع منهم جميعا ما اذا كان هناك تضييق او مضايقة او تعد من أي نوع على أية ممارسة دينية او معتقد ديني، وهل مُنع رجل دين من القيام بواجباته كما يشاء. وهنا تعاقب على الكلام ممثلو الطوائف السورية، وبينهم البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم، فيما كان فريق أنان يدون الملاحظات...
و لكي لا اظلم الجهة المسيحية اذكركم بأنه أقيمت صلاة مشتركة على أرواح شهداء الوطن وشهداء التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا دمشق السبت الماضي في كنيسة كيرلس في حي القصاع بدمشق بحضور فعاليات دينية وشعبية.
وقال البطريرك غريغوريوس الثالث لحام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك.. إن صلاة اليوم هي من أجل سورية الأم الحبيبة مهد الديانات وملتقى الحضارات التي انطلقت منها حاملة النور والحب والسلام والأمن إلى العالم.
وأكد البطريرك لحام أن سورية قوية وصامدة ولكن يجب ألا تبقى هذه الحلقة من العنف داعيا أبناء وبنات سورية للحوار والتلاقي والمصالحة والتوبة والهدوء لتحقيق المصالحة والحفاظ على الوحدة وإسقاط حاجز العداوة بين أبناء البيت الواحد والأسرة الواحدة.
و الآن بعد ان قرأتم هاتين الحادثتين، قد تقولون انه مجرد اعلام و ترويج لفكرة اللاطائفية، و لكن ان كنتم سوريين فإنكم تعرفون حتما الواقع الذي كنا نعيشه قبل هذه الأزمة.. لم تكن كتب الديانة في مقاعد الدراسة لتفرق بيننا، و لم يخطر في ذهوننا حتى ان نتجنب زيارة بعضنا البعض بغض النظر عن اختلاف ادياننا و اقامة الحفلات سويا و فرح عائلة "الخوري" بالمولود الجديد في عائلة "رمضان".. بل حتى اذكر في طفولتي حين كنت ادرس في مدرسة تابعة لكنيسة بحمص، كنا نجتمع اطفالا في الصباح و ندخل احيانا كلنا معا لاضائة بعض الشموع و تلاوة صلاة قصيرة.. مسيحيون و إسلام..
ما الذي حدث الآن؟ أيعقل ان نكون قد خضعنا للفتن التي حاولت دول الغرب المعادية نشرها بيننا؟؟ ام ان حقدا دفينا كان يعشعش فينا منذ القدم إلا ان سياسة حذب البعث العربي الاشتراكي الرافض للطائفية تمكنت من اسكات صوته؟؟ قد لا يعجب البعض كلامي هذا إلا أن مصادري من مدينة حمص عبرت عما يجري هناك بهذا الشكل و ذكرت انشقاقات جرت بين سكان المدينة بعد الفترة الطويلة التي تحملو فيها أقسى أشكال الارهاب و الوحشية التي أخضعتها لها المجموعات المسلحة، مما جعلهم يقتنعون بفكرة غبية و هي كون جميع الأفراد من الطائفة السنية معارضين للنظام و جميع أفراد الطائفة العلوية و المسيحيين الذين شعروا بخطر طردهم من وطنهم في حال سقوط نظام الأسد و استيلاء المجموعات التكفيرية على الحكم هم مؤيدون، و أقول عن هذه الفكرة انها غبية لسبب بسيط: كما نعلم جميعا يشكل المواطنون السورييون من الطائفة السنية حوالي 75% من سكان سوريا و ينقسم البقية بين مسيحيين و علويين و أكراد و شيعة و غيرهم من الأقليات الدينية، نعلم جميعا كذلك ان الغالبية العظمة للشعب السوري هم من المؤيدين للنظام و سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد، و إذا فبما أن الغالبية العظمة من المواطنين هم من الطائفة السنية فهذا يعني أن الغالبية العظمة من المؤيدين هم سنة! و هكذا فإن النظرية التي تقول أن حقدا دفينا كان معششا منذ القدم في نفوس السوريين ضد الطوائف الأخرى هي نظرية فاشلة و غير صحيحة!
ربما الوضع الاجتماعي في بقية المدن السورية مختلف بعض الشيء و آمل أن لا تكون هذه الأفكار قد انتشرت في بقية المدن، إلا انني أتطرق اليوم إلى مدينة حمص كوني أنتمي إليها و أكون على تواصل دائم مع أصدقائي و أقاربي فيها.. لعل أهالي مدينتي الحبيبة و بسبب الضغط الكبير عليهم و تأخر الحسم العسكري قد انجروا وراء مختلف الأفكار التي تم الترويج لها بتلك القوة الهائلة من الخارج و فضلوا تصديقها لعدم إيجادهم تفسيرا آخر لما يجري، يجب ألا ننسى الضيق الكبير الذي تحملته تلك المدينة المرحة طوال أكثر من عام و عدم توفر معلومات كافية لدى أبنائها تطمئنهم عن حسم قريب مما دفع بهم في نهاية المطاف إلى اليأس و تصديق أي خبر يعرض أينما كان.. أذكر أنه في زيارتي الأخيرة لهم قبل حوالي ثلاثة أشهر كانو يفضلون متابعة أخبار الجزيرة المنافقة و العربية و قناة أورينت و ذلك لسبب أن الفضائيات السورية لم تكن تذكر شيئا عن مدينة حمص مما دفعهم للبحث عن أي خبر مهما كان نوعه او مصدره في أي قناة و ذلك على الرغم من معرفتهم بنفاق القنوات التي ذكرتها.. لكن من الصعب أن تشرح لشخص تحمل بحر الدم ذاك أن امتناع القنوات السورية عن عرض تفاصيل عما يجري انما كان "لأسباب أمنية"..
للأسف فقد تغييرت العلاقات الاجتماعية في هذه المدينة كثيرا بعد الأحداث التي تعرضت لها، و يبدو أن الوضع لن يكون إلى تحسن في المستقبل القريب و خاصة طالما لا يزال يوجد مسلحون في المدينة فلم يعد أحد يثق بجاره بل إن صداقات كثيرة زينت حياة الناس طوال سنوات العمر و ربما منذ الطفولة انقطعت الآن و تحولت إلى عداء فقط بسبب التوجهات السياسية للناس، قد نسي الجميع أن سوريا أم حنون تحتضن أبناءها جميعا بغض النظر عن الاختلاف بينهم و في افكارهم و تسعى لتحقيق ما يتمناه كل منهم، و هذا يتجسد في الحركة الإصلاحية التي قادها سيادة الرئيس منذ الطلبات الأولى للمعارضين على الفساد و المشاكل الداخلية الأخرى..
الآن و بعد تراجع الضغط الأوروبي و الخارجي بشكل عام و خاصة بعد زيارة كوفي عنان لسوريا و الإتفاقيات التي أجريت و التي بعكس ما كان يقترح سابقا جائت لتتوافق مع السياسة السورية و متطلباتنا و مصالحنا فإن بريق أمل بدأ باللمعان في سماء الوطن بقرب انتهاء الأزمة و عودة الأمور إلى ما كانت عليه و ربما إلى الأفضل بعد أن شعر السورييون بقيمة هذه الأرض المقدسة و افتقدوا طوال هذه الفترة حياتهم السابقة و جميع الأمور البسيطة التي كانوا يعيشونها و لا يقدرون جمالها لاعتيادهم عليها، نرى أن حملة الحسم العسكري قد بدأت في مدينة حمص و تسير بشكل ممتاز و لم يبقى الكثير من الوقت حتى يحتفل سكانها بالنصر و التخلص من الإرهابيين، و حملة أخرى قد بدأت لتنظيف المدينة من المخلفات التي تركها أولائك المخربون فيها و لإعادة إعمارها و إصلاح الطرق و أنابيب النفط و غيرها من البنى التحتية للمدينة التي طالتها يد الإرهاب و التخريب الصارخة للحرية المزيفة.. لكن هناك حملة ثالثة يجب القيام بها و هي لا تقل أهمية عن السابقتين، إلا أنها قد تكون الأصعب لعدم وجود أدوات و طرق واضحة للقيام بها.. إنها حملة إعادة الحياة الاجتماعية لما كانت عليه.. إن المشاكل الإنسانية التي تجري الآن هناك تفوق التصور و لو أن عددا لا بأس به من الشعب في مدينة حمص يعي ما يجري و تمكن من ضبط ذاته و الصبر حتى النهاية إلا ان هناك قسما آخر لا يستهان بعدده يجب النظر إليه كمريض يحتاج الدواء للشفاء.. نرجو من جميع الكهنة و الشيوخ الشرفاء أن يكونوا يدا واحدة لنشر الفكر الصحيح و التوعية و إعادة الناس لصوابها، إننا نرحب بأية أفكار تساعد على تغيير جو الحقد السائد حاليا في المدينة و الرغبة بالانتقام التي تمكنت من مد جذورها في نفوس الكثيرين للأسف. و ندعو الشعب السوري عامة و الحمصي خاصة أن يفتح عينيه جيدا و يتعاون أفراده جميعا لإعادة سوريانا على ما كانت عليه بل وأقوى من ذي قبل!
نترحم على أرواح شهدائنا من المدنيين و العسكريين و نرجو من الله منح الصبر الكافي لأمهاتهم و ذويهم و تنظيف القلوب من كل حقد أعمى ولد بعد الأحداث التي جرت!
فريق القناة الإعلامية للبنت السورية!