وكأن ما أصابهم من مآس ومعاناة لا يكفيهم، حتى باتوا يواجهون اليوم أبشع طرق الاستغلال وأكثرها حقارة من قبل بعض الجمعيات التي تدعي أنها خيرية، حال اللاجئين السوريين لا يسر عدواً ولا صديقاً، فبعد أن خسروا حياتهم بخسارة منازلهم ومدارسهم وأعمالهم وأمنهم واستقرارهم، هناك من يعمل اليوم على تجريدهم مما تبقى لهم: كرامتهم وصون شرفهم.
القصص التي تروى عن جمعيات سعودية وعربية تستغل اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية وفي دول عربية أخرى، تثير الاشمئزاز والهلع في آن، فهذه الجمعيات التي تتخذ من الدين والتقوى ستاراً لها تقوم بأرذل الممارسات بحق اللاجئين، ليس فقط من خلال سرقة المعونات والإغاثات التي تصل إليهم بل أيضاً من خلال استغلال نسائهم وفتياتهم الصغيرات لإشباع غرائز أقل ما يقال فيها إنها حيوانية.
في البدء، حاولت الكثير من العائلات السورية السكوت على مضض عن ما تعانيه خوفاً من الفضيحة لكن ما جرى ويجري لم يعد يحتمل على الإطلاق، وهو ما دفعها إلى كسر حاجز الصمت والخوف لتروي قصصاً وحكايات غير إنسانية.
اعتاد النازحون السوريون أن يتعرضوا للسرقة، كأن تقوم بعض الجمعيات بإجراء حملة تبرعات باسم اللاجئين والعائلات المعوزة والأطفال اليتامى لتعمد بعد ذلك إلى الاستيلاء على هذه التبرعات والمعونات أياً كانت الجهة التي قدمتها من دون أن تمنح اللاجئين شيئاً منها، بطاقات كثيرة وزعت على اللاجئين من دون أن يتمكنوا من الحصول على ما دُوّن فيها من أموال أو مستحقات أو مواد إغاثية. جميعات كثيرة وعدت لكنها تخلفت ولم تف بالتزاماتها، حتى أن بعض الجمعيات تعمل على إيفاد مندوبين إلى الخارج لجمع تبرعات تصل أرقامها إلى مبالغ كبيرة وضخمة، غير أنه وبحسب المعلومات فإن هذه الجمعيات لا تقوم بنقل هذه الأموال إلى النازحين ولا حتى بتقديم أي مساعدة للنازحين.
وفي المعلومات أيضاً أن جمعيات معروفة تقوم فعلاً بعمليات إغاثة ومساندة، إلا أن ما تجمعه من مبالغ لا يتناسب على الإطلاق مع حجم الخدمات التي تقدم للنازحين، والبعض ممن اعترف عملياً بهذا النوع من المعلومات قال إن الظروف تحتم على الجمعية أن تقوم بمثل هذه الخطوة لأن الوضع العام يخبئ للناس ما هو غير معروف، ولذلك فإن العمل على صرف كل ما يجب لصالح النازحين السوريين خطوة في غير محلها، لكن هذا التبرير غير منطقي على الإطلاق وهو بمنزلة اعتراف فعلي من قبل هذه الجمعيات بأنها تقوم بسرقة الأموال أو على الأقل حجبها عن اللاجئين.
كل ذلك كان مقبولاً ومسكوتاً عنه إلى أن بدأت الأمور تخرج عن الإطار العقلاني والمنطقي والأخلاقي، إذ تؤكد المعلومات اليوم أن شيوخاً سعوديين أثرياء يستغلون حاجة النازحين السوريين في عدد من المناطق اللبنانية، لا سيما في الشمال للزواج من الأرامل أو من بنات قاصرات وفق عقد مكتوب دون حضور الفتاة أو شهود في بعض الأحيان، ثم التخلي عنهن بعد أيام قليلة من الزواج، ويستغل هؤلاء الشيوخ موقعهم في جمعيات خيرية لمساعدة اللاجئين كغطاء، فيما استعملت الأموال التي أغدقت على جمعياتهم في زواريب ملتوية.
وتشير المعلومات إلى أن الجمعيات المشبوهة التي تقوم بتشويه صورة العمل الخيري (ومنها في عكار) واستغلال حاجة النازحين بطرق غير أخلاقية باتت معروفة للجميع، مؤكدة أن النقمة كبيرة على جمعية "وقف طيبة" الخيرية لإغاثة النازحين السوريين الممولة من السعودية، متسائلة عن الكفالات المقدمة من قبل الجمعية المذكورة التي تدعي أنها تكفل جميع احتياجات النازحين من إيجارات المنازل، وتأمين الإعاشات الغذائية، إضافة إلى مصروف شخصي يقارب الـ400 دولار شهرياً لكل عائلة مكفولة، والتي لم يتلقوا سوى الفتات ولمدة لا تتجاوز الشهرين.
واللافت أن هذه الجمعية كانت وعدت بإقامة مشاريع عديدة من إنشاء مدرسة للنازحين ومراكز صحية وغيرها من المشاريع الإنمائية التي لم يتحقق أي منها.
"إنها مافيا الجمعيات" هكذا تصفها الكثير من العائلات السورية اليوم التي سئمت من الاستغلال الرخيص الذي تمارسه هذه الجمعيات، كما سئمت من الممارسات غير الأخلاقية التي تشيعها، ولعل أكثر ما يسيء إلى النازحين هو استغلال فتياتهم ومعظمهم من اليتامى في زواج أبعد ما يكون عن الزواج الشرعي بحسب التعاليم الإسلامية، ويؤكد البعض أن هناك شيوخاً امتهنوا استغلال الفتيات وباتوا يتخلفون عن مساعدة اللاجئين وتوزيع المساعدات والتبرعات عليهم ببساطة لأن الأموال تصرف على النساء والمراهقات "الجميلات"، وفي هذا السياق، تردد اسم الشيخ إبراهيم قفاري وهو مسؤول في جمعية وقف طيبة أكثر من مرة.
باختصار، يبدو أن معظم الأموال التي تصل على شكل هبات أو مساعدات إغاثية للنازحين تذهب إلى جيوب مسؤولي بعض الجمعيات، وإلى إرضاء شهواتهم الغرائزية.
معاناة واضحة
في الواقع، لم يعد ممكناً إخفاء حجم المعاناة الإنسانية والنفسية، التي تعاني منها النساء النازحات السوريات وتحديداً المراهقات منهن اللواتي لم يبلغن سن الرشد، واللواتي يعاملن كما لو أنهن سلعة، بحيث تجري المتاجرة بهن واستغلالهن وتحطيم نفسياتهن وأحلامهن بحياة أفضل.
وفيما لم يعد الحديث عن تزويج القاصرات من النساء السوريات إلى بعض القيمين على الجمعيات، وتحديداً الخليجيين منهم سراً، حيث تتكرر التجارب مع عدد كبير من المراهقات اللواتي يغرر بهن فيتم تزويجهن مقابل إغراءات مادية يتم التنعم بها لبعض الوقت، إضافة إلى الهدايا التي تغدق على الوالدين، يلاحظ على الجانب الآخر استغلال العديد من الأرامل من خلال الزواج بهن ومن ثم العمل على جمع التبرعات من خلال استغلالهن وأطفالهن.
قد لا يروق لكثيرين الاعتراف بأن عدداً من المشايخ والناشطين الخيرين يقومون باستغلال حاجة النازحين، خصوصاً أن من يقوم بمثل هذه الأعمال هم من أصحاب الجمعيات، المكلفين متابعة شؤون النازحين وتوزيع الحصص الغذائية والمساعدات عليهم، ما يجعل العديد من العائلات السورية المحتاجة تحت رحمة هؤلاء، لكن هذا هو الواقع الذي لم يعد ممكناً السكوت عنه.
إحدى السيدات تقول إنها وافقت على الزواج من أحد الشيوخ بمحض إرادتها لكن فقط بعد أن وعدها بتأمين منزل ومعاش شهري وطبابة لأحد أطفالها، إلا أن ذلك لم يتحقق، وبعد مدة قصيرة تخلى هذا الشيخ عنها وعن أطفالها من دون أن يرف له جفن، خصوصاً أنه ما من حسيب ولا رقيب على ما يقوم به، فتيات كثيرات وقعن ضحية هذا الرجل.
يشار إلى أنه بعد خروج هذه الفضائح وتداولها علناً بين أوساط النازحين ووصول الأخبار إلى المدن والقرى السورية، التي ينحدر منها النازحون، اضطرت إحدى الجمعيات إلى اتخاذ تدابير شكلية من شأنها التخفيف من وطأة الموضوع، تجلت بإلصاق جميع التهم بأحد رجال الدين اللبنانيين والادعاء بطرده من عمله، في حين أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن الأخير ما زال في موقع المسؤولية.
لكن يبقى السؤال: هل نزحت السوريات إلى لبنان لكي يتحولن إلى متعة لبعض مشايخ الخليج؟ ولماذا لا تتم مراقبة كيفية صرف الأموال، ومن يحاسب هؤلاء على أعمالهم؟ ومن يعيد للفتيات حقوقهن ويعوضهن عن القهر النفسي الذي يعانوه؟
تحرش جنسي
في سياق متصل، أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن "اللاجئات الوافدات من سورية في لبنان، يتعرضن للتحرش الجنسي أو محاولة استغلالهن جنسياً وأحياناً بشكل متكرر، من قبل أصحاب العمل ومالكي المساكن وحتى موزعي المساعدات من الجمعيات ذات الطابع الديني وأفراد من المجتمعات المحلية في بيروت والبقاع وشمال وجنوب لبنان".
وقالت مديرة قسم حقوق المرأة في المنظمة: "يجب أن تجد السيدات اللواتي قمن بالفرار من الموت والدمار في سورية، الملاذ الآمن في لبنان، وليس الانتهاكات الجنسية، يجب أن تفتح الحكومة ووكالات المساعدة الإنسانية عيونها أمام التحرش الجنسي والاستغلال الذي تتعرض له اللاجئات المستضعفات، وأن تبذل قصارى جهدها لوقف هذه الانتهاكات".
وأشار التقرير إلى مقابلات أجرتها المنظمة مع 12 سيدة تعرضن لهذه المحاولات ولم يبلغن السلطات المحلية بهذه الوقائع نظراً لغياب ثقتهن في أن السلطات قد تتخذ إجراءات، وكذلك خشية الانتقام من قبل الجناة أو خشية القبض عليهن بسبب عدم حيازتهن أوراق إقامة قانونية.
وأوضح التقرير أن ثماني من السيدات بين أرامل وغير متزوجات ويقمن في لبنان دون أزواجهن، جميع السيدات الـ12 مسجلات كلاجئات من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي وكالة اللاجئين الأممية.
واعتبرت هيومن رايتس وونش أنه "يتعين على الحكومة اللبنانية من خلال الوزارات المعنية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن تبلغ اللاجئات بشكل واضح، ممن تعرضن للتحرش والاستغلال الجنسي، في حقهن في تقديم شكاوى، وكيف يتم تقديم الشكوى وطبيعة العملية القضائية التالية على الشكوى، يجب على هذه الهيئات ضمان أن أي مزاعم تظهر، يجري التحقيق فيها، مع محاسبة الجناة"، مؤكدة أن "على وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية إعداد قنوات إحالة بين موفري الخدمات الاجتماعية في الحكومة وبين الشرطة، وعلى السلطات أن تبحث في أمر إمداد السيدات المتعاونات في الملاحقات القضائية للمتهمين بالعنف الجنسي والعنف المبني على الجنس حصانة من الملاحقة القضائية على مخالفات قانون الهجرة".
من جهتها "جمعية قل لا للعنف"، حذرت من "الاستغلال الجنسي للسورية اللاجئة مقابل لقمة العيش والسكن"، وأعلنت في بيان أنها "أعدت حملات توعية إعلامية، واستغربت أنه "لا توجد حماية للاجئات السوريات كما ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان عن الاستغلال الجنسي والعنف ضد المرأة".
موقف الدين
يؤكد مفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا أن "دين الإسلام يرفض استغلال حاجات الناس، وما يحصل من حوادث هي نوع من أنواع الاستغلال وإن كان ظاهره الزواج"، ويشدد على "أن الزواج الشرعي يتطلب الاستمرار والديمومة، وحضور ولي الأمر إذا كانت الفتاة تحت السن القانونية، وشاهدي عدل، كما يجب أن يكون الهدف الاستمرارية وتكوين عائلة".
ويضيف أن "المسؤولية مشتركة لأننا وبعد متابعة عدد من الحالات تبين أن الاستغلال مشترك من طالب الزواج وبعض أفراد العائلة"، ويشير إلى أن "النازحين بحاجة لكثير من الدعم والمطلوب تصحيح الخلل القائم".
زواج القاصرات
تُجبر الكثير من الفتيات السوريات على الزواج بضغط من بعض الجمعيات وبتهديدهم من حرمانهم وعائلاتهم من المساعدات، ويصعب الوصول إلى أرقام وإحصائيات عن عدد الزيجات من قاصرات سوريات، لكن هنالك أيضاً مؤشرات قوية بأن هنالك إقبالاً على تزويج الفتيات السوريات لا سيما الصغار منهن والتي لا تتجاوز أعمارهن 14 أو 15 من العمر.
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فإن الصندوق يدرك مشكلة تزويج القاصرات السوريات، حيث إن ظروف المعيشة الصعبة ومخاوف التعرض للاغتصاب تدفع بالأهالي السوريين النازحين في لبنان إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة، وبسبب تحديد سن الزواج القانوني يلجأ الأهالي للزواج غير الرسمي وغير المسجل لدى السلطات، ما يضيف إلى معاناة الفتاة واستغلالها.
هذا ويثير موضوع زواج اللاجئات السوريات من رجال عرب مسنين يتعرفن عليهم من خلال وسطاء السترة استنكار الكثير من منظمات حقوق الإنسان، وكشف تقرير حقوقي أن هناك منازل ومكاتب مخصصة قرب مخيمات اللجوء أو أماكن تمركز اللاجئين لاستدراج بعض الفتيات وإغرائهن بالمال من أجل الموافقة على الزواج بمسنين لتفادي الفقر والجوع.
ولدى سؤال إحدى الفتيات عن سبب موافقتها على الزواج برجل يكاد يكون بعمر جدها وعما إذا كانت خائفة من الإقدام على خطوة كهذه من شأنها أن تغير حياتها كلياً، أجابت: "أنا لست خائفة منه، ولكني قلقة، أنا أضحي بحياتي من أجل أمي وإخوتي".
والشائع أن الكثير من الشيوخ السعوديين يتاجرون بهؤلاء الفتيات اللاجئات بمبلغ 2000 يورو، يتزوجون فتاة صغيرة، يفعلون بها ما يريدون ثم يطلقونها.
وتحاول منظمات حقوق الإنسان أن توقف تجارة الفتيات، لكنهم يفشلون في ذلك لأن بعض الجمعيات تتصدى لها بالقول إن الشريعة الإسلامية تسمح بتزويج الفتيات الصغيرات بالعمر إذا وافق ولي الأمر على هذا الزواج، ومع ذلك ينظر إلى هذا الزواج القسري على أنه استثناء متطرف في الشريعة الإسلامية.
وأشارت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في تقارير عدة إلى حجم الاستغلال الجنسي والنفسي الذي تتعرض له اللاجئات السوريات وطالبت بوقفه، وتسعى الكثير من المنظمات اليوم إلى مساعدة اللاجئات اللواتي عانين من حالات زواج قسري ومؤقت لتغلب على محنتهن، وفي هذا الإطار أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه "على وزارة الشؤون الاجتماعية وضع إجراءات عملية للاستجابة للقضايا الخاصة باللاجئات، ويجب أن يشتمل هذا بموافقة من الضحية على الإحالة للخدمات الصحية والنفسية الاجتماعية والقانونية بما يتفق مع ضوابط اللجنة الدائمة بين الوكالات المعنية بالعنف المبني على الجنس في الأوضاع الإنسانية، وهي الضوابط المقبولة بصفتها المعايير الدولية المرعية، من قبل الأمم المتحدة والحكومة وجماعات المساعدات الإنسانية".