المجمع المقدس للكنيسة السريانية الانطاكية الارثوذكسية يحتفل باليوبيل الاسقفي الذهبي لبطريرك السريان الارثوذكس
مؤسسة القناة الإعلامية للبنت السورية / قسم الأخبار في الموقع الرسمي
إعداد د.حنان نورا الحايك 2013/11/19
##################################
منذ أيام قليلة احتفل المجمع المقدس للكنيسة السريانية الانطاكية الارثوذكسية باليوبيل الاسقفي الذهبي لبطريرك السريان الارثوذكس لانطاكيا وسائر المشرق البطريرك مار اغناطيوس زكا الاول عيواص، الرئيس الاعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية في العالم، وذلك في قاعة البابا يوحنا بولس الثاني في جامعة الروح القدس - الكسليك، في حضور ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال غابي ليون، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب ميشال موسى، ممثل الرئيس السوري بشار الاسد السفير السوري علي عبدالكريم علي، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس الثالث يونان، السفير البابوي المونسنيور غابريلي كاتشا وحشد من المطارنة ورجال الدين من مختلف الطوائف وشخصيات سياسية وديبلوماسية وامنية واقتصادية وعدد كبير من ابناء الطائفة السريانية الارثوذكسية أتو من مختلف انحاء العالم وبلاد الانتشار.
في مستهل الاحتفال رحب الاب روجيه الاخرس بالحضور، ثم ألقى مطران بيروت للسريان الارثوذكس المطران دانيال كورية كلمة المجمع المقدس للكنيسة السريانية الارثوذكسية قال فيها: "يطيب لي أن أرحب بكم جميعا، بالنيابة عن إخوتي المطارنة أصحاب النيافة الأحبار الأجلاء، أعضاء المجمع الأنطاكي المقدس، لكنيستنا السريانية الأرثوذكسية. وبالأصالة عن نفسي، نشكر لكم تلبية هذه الدعوة المتواضعة، لنجتمع معا في هذا الصرح الحضاري العظيم، لنكرم ونهنئ شخصية عظيمة، بخل الزمن على البشرية بمثيلاتها. ولا نقول ذلك من باب اعتراف الإبن بأبيه فقط، لأنه لو قصرنا نحن بوصفه، فلا شك بأن لا الغريب ولا القريب، ولا التاريخ ولا الزمان، سيقصرون بحق، أب الآباء ومعلم الأجيال، الشماس والراهب والكاهن والمطران والبطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص".
أضاف: "إنه عميد بطاركة العالم وقائد مسيرة الأمة السريانية العريقة والمجيدة، منذ 33 سنة، يمشي أمامنا بشجاعة وهدوء، وإنما بكثير من الحكمة والروية، وهو يعلم إلى أين سيصل، لأن يد الله ترعاه وروح الله يرف على هامته، ونحن نواكب مسيرته المباركة، بثقة ومحبة وأمل، لأننا نعلم سلفا بأنه سيقودنا إلى ميناء السلام وإلى المراعي الخصبة. ننظر إليه فنجد في شخصه، العظماء من أسلافه الذين سبقوه، وفي عينيه صورة مشرقة لمستقبل باهر. لقد اصطفاه الرب من بطن أمه وباركه من ميعة صباه، وأيده بالفضائل والنعم وزينه بمواهب روحه القدوس، ففاض حبه لبيعة الرب الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، وبخاصة لكنيسته السريانية الأرثوذكسية وتراثها الخالد، وقد تنامى هذا الحب مع نموه بالقامة وارتقائه من منصب كنسي إلى آخر أعلى، وإن ما أضفى على هذا الحب جمالية وفاعلية، اقترانه بالعلم والثقافة والغيرة المقدسة".
وتابع: "لقد شغف قداسته منذ نعومة أظفاره بحب المعرفة فعشق الكتاب واتخذ منه صديقا صدوقا وراح ينقب مطاويه وخاصة أيام دراسته في المعهد الإكليريكي في الموصل والذي ما إن تخرج منه تم توشيحه بالإسكيم الرهباني، فاستدعي ليكون سكرتيرا في البطريركية الجليلة ويعاصر ويتتلمذ على يدي عظيمين من بطاركة أنطاكية، الطيب الذكر، أفرام الأول برصوم، والخالد الأثر يعقوب الثالث، مستفيدا من حكمتهما وعلمهما وقيادتهما وإدارتهما حتى انتخب للكرامة الأسقفية لأبرشية الموصلالعريقة مسقط رأسه، وسيم مطرانا عليها في السابع عشر من تشرين الثاني عام ألف وتسعمئة وثلاثة وستين في أحد البشارة بالحبل بيوحنا المعمدان، لينتقل بعدها إلى أبرشية بغداد العامرة سنة ألف وتسعمئة وتسعة وستين، ويوم تجليسه في كنيسة الطاهرة الداخلية في الموصل، كنيسة القلعة، والتي انطلقت منها خدمته الأسقفية، أعلن عن برنامج عمله متكلا على الرب ومعونته وعلى الشعب ومحبته قائلا: " إني للأبرشية قلبا وقالبا ولا ينازعني في محبتها منازع، إن وقتي كله وقوتي كلها هي للرعية التي اؤتمنت على رعايتها. المسؤولية جسيمة، وأنا أعرفها وأقدرها، ولكن الحمل سيهون بالمسيح يسوع حامل الأثقال عنا، إذ حملت نيره الخفيف، وجئت للخدمة لا للرئاسة وهذا شعاري ومنهج عملي".
وقال: "في عهد بطريركيته، اهتم كل الاهتمام بالحجر والبشر، فقد شيد صروحا عظيمة من أديرة ومعاهد لاهوتية وكنائس ومبان أخرى، وخلال وقت قصير دفع بالمئات من الرهبان والراهبات والكهنة والشمامسة والشماسات إلى سوح الجهاد، بعد أن دمغهم بطابعه المميز، وها هم ينسجون على منواله، وما أحلى ما ينسجون، فطوبى لنا، وهنيئا لنا جميعا نحن الذين تخرجنا من جامعة البطريرك زكا الأول عيواص. ومما لا يختلف عليه اثنان أن قداسته هو الأول والسباق في العمل المسكوني لوحدة كنيسة المسيح شرقا وغربا، فقد حضر المجمع الفاتيكاني الثاني، كعضو مراقب يوم كان راهبا فأسقفا، وعمل عضوا في اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي، وانتخب رئيسا لهذا المجلس وكذلك انتخب رئيسا لمجلس كنائس الشرق الأوسط، ناهيك عن تشجيعه الحركة المسكونية في مختلف المجالات والنواحي والتزامه همومها وتطلعاتها وشجونها كافة. وإذا سألنا أي شخص التقى قداسته، نراه يشيد بالنور البهي المنبعث من محياه، وبالروح الإنسانية السامية التي يتمتع بها قداسته، والتي ظهرت في صبوته وتجسدت فيما بعد وبخاصة لدى تقلده مقاليد الإدارة في الكنيسة، أما حدبه على ذوي الحاجة والفاقة فلا غبار عليه، إذ فتح أبواب قلبه أمام كل طارق، ولا سيما أولئك الذين عضهم الدهر بنابه فلجأوا إلى الهجرة عن بلادهم صاغرين، ولكن قداسته افتقدهم ماديا ومعنويا وأوفد إليهم كهنة ورهبانا ومطارنة حتى كبرت كنيستنا في المهجر، وباتت مصدر اعتزاز وفخر لنا جميعا".
أضاف: "هنا يجدر بنا، أن نشيد بمواقف قداسته الوطنية، ودفاعه الدائم عن حقوق الشعوب المستضعفة، ومناداته بالعدالة والمساواة والعيش المشترك والوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد من أي دين كانوا ولأي مذهب انتموا، إذ انتفض في وجه الدول العظمى الطامعة بخيرات وثروات الأوطان والشعوب، بدءا من فلسطين السليبة، والأردن والعراق ومصر وسورية ولبنان، ليؤكد لهم أنه من بلاد الشام، ومن أنطاكية بالذات حيث دعي التلاميذ مسيحيين، وانطلقت البشارة المسيحية إلى جميع أنحاء العالم، ومن الشرق أيضا انطلق الآباء السريان، فشيدوا المدارس والجامعات، وترجموا الكتب وأصناف العلوم والمعارف، ولهذا فقد كرس قداسة البطريرك زكا كل جهوده في سبيل تثبيت الإنسان بالأرض وتمسكه بجذوره السريانية السورية الأصيلة التي تمتد بأصولها إلى آلاف السنين لا بل وإلى فجر التاريخ، رافضا أن يضيع تعب أسلافه العظام، وداعيا للتشبث بأرضنا التي تحت كل شبر منها رفات قديس من قديسينا وشهيد من شهدائنا أو حطام أثر من آثار وتاريخ آبائنا".
وتابع: "أيها الأخوة والأخوات، صحيح أننا اليوم فرحون وسعداء بهذه الذكرى المميزة ولكن فرحنا ممزوج بالقلق والحزن والخوف، فكيف لا نقلق ونحن ما زلنا وبعد مئتين وسبعة أيام؟ نجهل مصير المطرانين العزيزين والحبرين الجليلين المخطوفين: يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، ونحن نعلم تماما أن قلبكم يا صاحب القداسة يعتصر ألما على تلميذكم وشماسكم وأحد أحبار كنيستنا الهمام مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم متروبوليت حلب وتوابعها، فمنذ الساعات الأولى للخطف كنتم وما زلتم تصلون وتدعون للرب الإله، وتطلبون وتلتمسون من أصحاب النفوذ والسلطة والنوايا الطيبة في العالم أجمع ومن أصحاب النيافة أعضاء المجمع المقدس ومن السريان عامة، بالعمل الجاد لفك هذا الأسر اللعين وعودة المطرانين وكافة المخطوفين لحريتهم سالمين معافين. كيف لا نحزن وسوريا الحبيبة مقر كرسيكم الأنطاكي يا صاحب القداسة ومركز رئاسة كنيستنا، حزينة متألمة وجريحة من أعداء الله والإنسانية، وشعبها يعاني من القتل والذبح والخطف والنهب والجوع والعطش والتهجير وكافة الأعمال الإجرامية التي تطال جميع المواطنين دون استثناء بعد أن كانت سوريا مثالا يحتذى به في العيش المشترك والإخاء الإنساني والوحدة الوطنية".
وسأل: "كيف لا نخاف ونحن نجهل مصير مسيحيينا في الشرق، ونجهل ما تخبئه لنا المخططات البشعة والخبيثة لتفريغ المنطقة من مسيحييها وطمس تاريخهم وآثار حضاراتهم العظيمة، فما حصل مع مسيحيي الشرق أخيرا وخاصة في مصر والموصل وبغداد وسهل نينوى والجزيرة السورية وحلب وحمص ووادي النصارى ودمشق وضواحيها ومعلولا وصدد وغيرها ما هو إلا تأكيد على شكوكنا ومخاوفنا، ولكننا سنبقى مرددين كلماتكم التي علمتموها لنا يا صاحب القداسة: "لسنا ضيوفا في هذا الشرق مهد المسيحية، بل نحن من صلبه وجوهره، كل الاضطهادات والحروب عبر الأزمان لم تستطع اقتلاعنا من جذورنا، وسنبقى كما أوصانا مسيحنا القدوس وكما علمتنا كتبنا المقدسة، دعاة سلام ورسل محبة، عاملين من أجل خير الإنسانية جمعاء لرفع الظلم عن المظلومين والمستضعفين، محتملين بصبر كل ضيق واضطهاد".
وقال: "مع كل ما يعانيه شرقنا العزيز من مشاكل، يبقى لنا لبناننا الحبيب الذي وشحكم بوسام الأرز الوطني الأعلى، هذا الوطن الغالي الذي يئن من كثرة الاغتيالات والتفجيرات والتجاذبات والمشاحنات السياسية والطائفية التي لا تنتهي، ونتمنى أن تكون عواقبها سليمة، فنحن السريان مظلومون في لبنان وأنتم تعلمون حالنا تماما يا صاحب القداسة، فخلال زمن رئاستكم للكنيسة، كم من مرة قمتم بزيارات خاصة ورسمية؟ وكم من مرة كتبتم وراسلتم ورفعتم الصوت عاليا لرفع الغبن عن أبناء طائفتكم؟ ولكن لا حياة لمن تنادي، وكم من مرة وعدوكم ولم يفوا بوعودهم وأنتم ترددون "وعد الحر يبقى دينا"؟، إذ ما زلنا خارج اللعبة السياسية وتقاسم الحصص والمناصب بالرغم من أصالتنا نحن السريان وتاريخنا المجيد في الشرق ونضالنا المتواصل في لبنان الذي امتزجت في ترابه دماء شهدائنا مع دماء باقي الشهداء الشرفاء وبالرغم من وجود الكثيرين من أصحاب الكفاءات من أبناء طائفتنا، فحقوقنا المشروعة على الصعيد الوطني مهمشة ومنسية، كالتمثيل الوزاري والنيابي والإداري والوظيفي، فأين ضمير ووجدان القادة اللبنانيين الذين يدعون للعدالة والمساواة والديمقراطية قولا ولكنهم يعملون على أساس الطائفية والمذهبية والقومية والحزبية، بدلا من عملهم في زرع الحب والإخاء والوفاق والسلام؟"
أضاف: "سيدنا وأبانا صاحب القداسة، خمسون عاما في رئاسة الكهنوت، تحتاج لأكثر من خمسين مجلدا للحديث عن راع ومعلم صالح، وقائد شجاع، وإداري حكيم، ومهندس كنسي بديع، وأب روحي حنون ورحيم، كقداستكم. خمسون عاما في الأسقفية الجليلة وأنتم تخدمون الكنيسة المقدسة بكل تضحية وتفان، وتبذلون الغالي والنفيس من أجل رفع شأنها بكل محبة وتواضع ونكران ذات، خمسون عاما وأنتم تربون وتهيئون قادة وخداما للكنيسة، بإرشاداتكم ونصائحكم وخبراتكم العميقة، خمسون عاما في الإدارة والقيادة وأنتم تتحملون صليب المسؤولية بكل صبر وتسليم ووداعة، خمسون عاما وأنتم تطمحون وتطمعون في كرم وعطاءات ربكم، خمسون عاما وأنتم تعطون بكل فرح وسخاء، خمسون عاما وأنتم تنشدون الوحدة الكنسية التامة بكل ثقة وإيمان ورجاء، خمسون عاما وأنت تدعون للوحدة الوطنية والعيش المشترك وتصنعون السلام بين أبناء الوطن الواحد والشرق".
وختم: "نهنئكم يا سيدي من أعماق قلوبنا وندعو للرب الإله أن يحفظكم ويطيل في عمركم لسنين طويلة ويمنحكم الصحة والعافية ويصبركم على حمل صليب آلامكم الجسدية وأتعاب شيخوختكم، فأنتم فخرنا وعزنا وتاج لرؤوسنا، ونحن يا أبانا الأقدس، على خطاكم سائرون، وعلى منوالكم ناهجون، فلن نترك أرضنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ونعدكم بأن نكون لكنيسة المسيح وللسريان ولكم، سفراء في جميع أنحاء العالم، ننشر العلم والحضارة والمحبة والسلام، كي يعرف العالم بأسره من هم السريان".
وخلال الاحتفال أنشدت جوقة مار افرام السريانية البطريركية في دمشق التي أسسها البطريرك سنة 1980 اناشيد من الطقسين السرياني والماروني مع مقتطفات من محطات سبق للبطريرك عيواص ان القاها في مناسبات مختلفة.
وفي الختام أضيئت الشموع على المسرح وأنشدت الجوقة ترنيمة "طوبى للساعين الى السلام فانهم ابناء الله يدعون" مع دعوات لاحلال السلام في الشرق الاوسط، ثم قدمت لبطريرك هدايا تذكارية.
مؤسسة القناة الإعلامية للبنت السورية
قسم الأخبار في الموقع الرسمي 2013/11/19