في الوقت الذي تتسارع فيه وبنجاح ملفت العمليات النوعية التي ينفذها الجيش العربي السوري في مواجهة الجماعات المسلحة المفسدة للامن والاستقرار في سورية، تستعيد بعض اساطين الدعاية والاعلام والحرب النفسية المسخرة للعمل ضد سورية تستعيد مقولات بالية
أطلقت سابقاً وطويت لاستحالة تطبيقها من دون تغيير جذري في طبيعة المواجهة القائمة على الارض السورية ومن غير توسيع لنطاق تلك الحرب التي شنها الغرب بايدٍ «اعرابية واسلاموية» وتحت شعارات وعناوين مخادعة وكاذبة.
وفي معرض الاستعادة هذه طرحت في الكونغرس الاميركي مقولة «الحظر الجوي» باللجوء الى صواريخ الباتريوت التي نشرت في العام الماضي في تركيا قريبا من الحدود السورية تحت عنوان حماية تركيا من الجيش العربي السوري، اما اليوم فان من يطرح الامر يريد ان يغير في مهمة تلك الصواريخ ليجعها من اجل اقامة منطقة حظر جوي في المناطق الشمالية السورية لحماية الجماعات الارهابية المسلحة من نيران الطيران السوري – على حد ما قدم من حجج من اصحاب تلك الاطروحة – كما لوح البعض من القريبين من مراكز القرار الغربي بامكانية استعمال صواريخ الكروز الاستراتيجية لتقديم دعم ناري مؤثر لتلك الجماعات التي تتلقى الضربات المؤلمة في معرض العمليات الدفاعية التي ينفذها الجيش العربي السوري وبشكل نوعي متطور بدأه منذ شهر تقريبا وبالتزامن مع انطلاق «خطة أوباما» ضد سورية والتي كان صاحبها يتوخى منها تعويض الاخفاق والفشل في المحاولات السابقة لاسقاط سورية ونظام الحكم فيها.
هنا لا يجد الباحث المختص كبير عناء في توصيف هذه الأقاويل بانها غير جدية لان الغرب يعلم ان اللجوء الى تنفيذها يستلزم طريقاً من اثنين:
أولهما قرار من مجلس الامن تحت الفصل كما حصل في ليبيا، اويكون الثاني بسلوك خارج مجلس الامن كما حصل في العراق عندما قامت اميركا بالعدوان عليه واحتلاله. وكلا الامرين غير ممكن كما تثبت مشهدية المواقع الدولية الراهنة والمواقف الدولية المعلنة وبشكل نهائي لا يبدو ان الرجوع فيها امر ممكن اومتاح لاصحابها.
فقرار من مجلس الامن بات مستحيلا في ظل الالتزام النهائي الذي التزمته كل من روسيا والصين لعدم تكرار تجربة ليبيا وبالتالي فان الفيتوالمزدوج من قبل هاتين الدولتين سيكون جاهزا دائماً وسيقطع الطريق بشكل اكيد على اي محاولة غربية من هذا القبيل.
أما العمل من خارج مجلس الامن فانه سيعني وبكل بساطة شن عدوان خارجي على سورية ما سيتيح للاخيرة ان تلجأ الى المعاهدات الاستراتيجية التي تربطها مع الخارج وفي الطليعة ايران التي لا يمكنها ان تقف مكتوفة الايدي امام عدوان خارجي يشن على حليفتها الاستراتيجية الرئيسية في العالم كله، وكما تصرفت ايران في السابق وابلغت الاطلسي عبر تركيا بانها ستتدخل وبكل ثقلها وفي كل المنطقة دفاعا عن سورية، فانها اليوم ستكون متشددة اكثر في الموضوع مع متغيرات ميدانية وسياسية حدثت لصالح سورية.
وهنا يكون من المفيد ان نذكر بالرسالة الحازمة التي وجهتها ايران في العام الماضي وتضمنت انذارا للغرب بان كل المصالح الغربية بما في ذلك اسرائيل ستكون عرضة للرد الايراني الدفاعي القاسي في حال استهدفت سورية بنيران اوقوى اجنبية. والى الموقف الايراني يضاف الموقف الروسي المستمر في وتيرته التصاعدية التي يفهم منها الغرب ان العمل العسكري الاجنبي ضد سورية لن يمر من غير ردة فعل ملائمة ومن اجل ذلك كانت المناورات الروسية في البحر الاسود والمتوسط في الاسابيع الاخيرة الماضية.
وبالتالي فان القرار الغربي بالتدخل العسكري في سورية وتحت اي مسمى (حظر جوي – مناطق آمنة – ممرات آمنة – مناطق معزولة....الخ) لن يكون له الا معنى واحد وهوشن حرب اقلها اقليمية وقد تكون ابعد من ذلك، وبما ان الغرب يعلم ان مثل هذه الحرب لن تكون في مصلحته ولن تحفظ مصالحه وهو اصلا ليس قادرا على تحمل اعبائها وقد انهكته حروب العقدين الاخيرين حتى الزمته بتغيير مفهومه الاستراتيجي واعتماد منطق لا حروب ولا فتح جبهات خلال العقد الحالي، ولان هذا هو حال الغرب فاننا نرى احتمال اقدامه على سلوك ينزلق فيه الى الحرب هواحتمال منخفض السقف حتى يقارب العدم، ولنا في ما حصل في الازمة الكورية مؤخراً خير دليل حيث اضطرت اميركا في مواجهة التهديد الكوري ان تتراجع وتلغي مناورات صاروخية حتى يطمئن “العدو” ولا يستفز وحتى تترك مجالا للوساطة التي توسلتها من الصين لخفض منسوب التوتر والحؤول دون المواجهة. اننا وبكل بساطة نقول اليوم ان الغرب الذي بدأت هيبته بالتلاشي هو غير مستعد لادخال جندي واحد من جيوشه في معركة جديدة، لكنه سيبقى مرتاحاً لمشهد الدماء التي تسيل من جسم غيره بيد الاخرين الذين تولوا الى تابعين له وادوات تنفيذية بيده.
على ضوء هذه الوقائع - الحقائق يبقى ان نبحث عن الاسباب التي دفعت البعض من مكونات جبهة العدوان على سورية دفعتهم الى العودة الى مقولات عفى عليها الزمن، والتلويح بمسائل لا يمكن تنفيذها وهنا نرى في الدوافع واحدا اواكثر مما يلي:
1) التشويش على المنجزات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري في الاسابيع الثلاثة الاخيرة والتي ظهر منها ان هناك استراتيجية جديدة اتبعت وفاقت في نتائجها التوقعات حيث انها غيرت الصورة الميدانية في اكثر من منطقة خاصة في ريف دمشق وحمص وريفها فضلا عن ادلب وحماه ودير الزور.
2) رفع معنويات الجماعات المسلحة التي تكبدت المئات من القتلى في غضون ايام قليلة ما دفع البعض الى الخروج من الميدان، ما حمل القيادة الرئيسية لتنظيم القاعدة للاعلان عن وحدة مسرح العمليات ووحدة التنظيم بينها وبين ما يسمى «جبهة النصرة» حتى تشعر تلك الجماعات بقدوم المدد القريب فتثبت في الميدان ولا تتسارع عمليات الفرار.
3) احتواء ما يتردد عن استقالة المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي، والذي يتحضر لتفجير قنبلة سياسية بوجه ما يسمى «الجامعة العربية» احدى الادوات الاميركية في الحرب على سورية، خاصة وانه يحملها مسؤولية فشل مهمته السلمية وتشجيعها لسفك الدم العربي.
4) اعادة التلويح بالقدرات العسكرية للحلف الاطلسي من اجل استثمارها كورقة ثقل نوعي على طاولة التفاوض للبحث عن مخرج من الازمة السورية والتي يتصاعد الحديث عن قرب التحلق حولها في غضون الشهرين المقبلين.
وبالاضافة لذلك لا بد من التذكير بانها ليست المرة الاولى التي يلجأ فيها الغرب الى مثل هذا التهديد، كما انها ليست المرة الاولى التي تواجه سورية حربا نفسية من هذه الطبيعة، لا بل ان بعض ما سبقها كان اكثر تعقيدا واشد حبكا وتخطيطا ورغم ذلك فقد ذهبت مفاعيله ادراج الرياح ولن يكون نصيب من شن هذه الحرب الان افضل حالاً مما سبق.