
كتبت الأديبة السوريّة المقاومة غراسيا العوض: «منذ سنتين و"إسرائيل" تحاربنا، فقط اليوم هي تمدّ رأسها من خلف الستار،
وتطلّ علينا، لتقول لنا: أنا هي من يحرّك الدمى في هذه المسرحيّة الهابطة المسمّاة "ثورة".. اهدؤوا وثقوا بالدولة وبالجيش العربيّ السوريّ، هما فقط من أوجعاها لتمدّ رأسها على هذا الشكل، وهما فقط يعرفان كيف سيردّان، فالحرب لا تُدار بالانفعالات ولا بالعواطف ولا بالردود الهوجاء».
يحتار المرء بالفعل عندما يُعمل تفكيره ويجول بنظره في الحادثة التي حصلت بالأمس القريب ، حادثة استهداف الطيران الإسرائيليّ المعاديّ لمركز أبحاثٍ علميّ ـ عسكريّ على الأراضي السوريّة في محلّة جمرايا من مناطق ريف دمشق، يُعنى هذا المركز ـ كما جاء في بيان الجيش السوريّ ـ بشؤون المقاومة ومسائل الدفاع عن النفس.
فما هو الهدف من هذا الاستهداف الذي يشكّل اعتداءاً سافراً على دولةٍ مستقلّةٍ كاملة السيادة على أراضيها؟ وما هي الرسالة أو الرسائل التي أُريد لهذه الغارة والضربة الجوّيّة أن تؤدّيها؟ وما هي أبرز الأبعاد والإشارات والدلالات؟ وما هو سرّ اختيار هذا التوقيت بالذات؟ وما الذي قرأه الكيان الصهيونيّ في مركزٍ للأبحاث العلميّة من أخطارٍ وتهديدات؟ وهل هذه الضربة الجوّيّة على ارتباطٍ بتسلسل الأحداث في الأزمة السوريّة الراهنة، أم أنّها منفصلة عنها ولا علاقة لها بها؟
ولكنّ ما يُسرع للتوثّب إلى الذهن تجاه هذه الحادثة، هو ـ بالتأكيد ـ ما أشارت إليه الكاتبة غراسيا العوض في كلامها الذي افتتحنا به هذا المقال. وهو أنّ ما يجري في سوريا اليوم ليس سوى فصولٍ من مسرحيّةٍ هزليّةٍ ساخرة انكشفت أغراضها وأسرارها ونواياها للقاصي والداني على حدٍّ سواء.
تقوم هذه المسرحيّة التافهة على حكايةٍ تدور حول شخصين أو جهتين، الشخص الأوّل هو صاحب الأموال وصاحب المخطّطات وصاحب القوّة على الأرض وصاحب الإمكانات وصاحب الصولات والجولات وصاحب الأحلاف والصداقات الدوليّة الواسعة، وكان هذا الشخص راغباً بضمّ أرضٍ إلى أراضيه الواسعة، تلك الأراضي التي أخذها غصباً من الناس، أو بالدهاء والاحتيال. هذه الأرض اسمها سوريا، وهذا الشخص الأوّل اسمه "إسرائيل".
ولكنّ الأرض المقدّسة "سوريا" استعصت على هذا الشرّير الغاصب "إسرائيل"، ورفضت الانقياد له، ولم يتمكّن من إجبارها على ما يريد، ولا انطلت عليها حيله ومؤامراته، ما اضطرّه إلى الاستعانة بالشخص الثاني، وهو الوكيل المستأجر لتخريب تلك الأرض، وهو ـ هذا الوكيل ـ عبارة عن عصاباتٍ من خفافيش الظلام السوداء، التي أدمنت القتل والإرهاب، ولم تعمل ـ منذ نشأتها الأُولى ـ إلّا لخدمة أجندات خارجيّة وأجنبيّة.
وهنا، أخذت حبكة هذه المسرحيّة الممجوجة تتعقّد شيئاً فشيئاً، فهذا الوكيل المستأجر، أو هذه العصابات الإرهابيّة، وبالرغم من كلّ ما عاثته على الأرض السوريّة من فساد، وبالرغم من كلّ ما أحدثته من قتلٍ ودمار، وبالرغم من كلّ الحقد الذي جسّدته في أحياء سوريا ومدنها وقراها، فهي لم تستطع أن تنجز شيئاً يُعتدّ به على صعيد بيع هذه الأرض أو إهدائها بالمجّان إلى الشرّير الأصيل الذي استأجرها لهذا الغرض، ولم تتمكّن من تنفيذ شيءٍ ممّا طُلب منها، بالرغم من أنّه كان قد جهّزها وموّلها وزوّدها بكلّ التجهيزات والأموال والإمكانات اللّازمة والضروريّة لهذا العمل.
وهنا، وكما هي القاعدة في مثل هذه الحالات، كان لا بدّ للأصيل أن يتولّى بنفسه إنجاز المهمّة، بعد أن أعلن الوكيل المستأجر عن فشله فيها، وهكذا دخلت "إسرائيل" علناً في الحرب على إسقاط النظام السوريّ، أو ـ بعبارةٍ أدقّ ـ كشفت وأعلنت عن دخولها في هذه الحرب، وإلّا، فهي كانت داخلةً فيها من أوّل الأمر، بل هي من أوائل لمحرّضين عليها، والمخطّطين لها، والمموّلين لـ "ثوّارها".
عامان انقضيا على بدء ما يُسمّى "الثورة السوريّة"، عامان وثوّار قطر في سوريا، والجيش الإسرائيليّ الحرّ، يعملون على تدمير ما أمكنهم من البنى التحتيّة السوريّة، الأمر الذي يفضح ويكذّب ادّعاءات الحرّيّة التي يُطلقونها، ومن بين البنى التحتيّة التي ركّزت هذه العصابات عليها: البنى التحتيّة العلميّة والفكريّة والبحثيّة، ومن بينها مراكز البحث العلميّ، ولحدّ الآن، لم تستطع أن تنجز شيئاً يُذكر في ظلّ إصرار سوريا حكومةً وشعباً على الصمود والبقاء.
وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على اعتراف المخطّطين لـ "الثورة الإسرائيليّة على سوريا" بفشل الثوّار، والعصابات المسلّحة، وحان الوقت الآن للحلول السياسيّة، التي لن تكرّس إلّا انتصار الشعب السوريّ، أعني: الشعب السوريّ الحقيقيّ، لا السوريّين القطريّين أو الإسرائيليّين ...وفقا" لموقع "اسلام تايمز".